أكّد المدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري أنه لم ينقطع مجيءُ الخليجيين إلى لبنان، لكن السؤالَ يبقى حول نسبة الآتين، وهذا أمر يرتبط بالظروف السياسية وتأثيراتها، لكنهم يأتون وأمنُهم محفوظٌ كاللبنانيين وأكثر، فالحوادث التي تحصل مع الأجانب والرعايا العرب أقل بكثير من تلك التي تحصل مع اللبنانيين وتكاد أن تكون قليلة أو نادرةً"، معتبراً أنه "إذا حصلتْ، لا سمح الله، تتخذ أبعاداً واهتماماً وأصداء، قد يَحْدث أن يُخطف لبنانيّ ويَستغرق الجهد لإطلاقه أكثر من أسبوع من دون أي ضجة أو جلبة، لكن إذا صودف وخُطف أيٌّ من الرعايا العرب أو الأجانب لـ 15 دقيقة فالأصداء ستكون كبيرةً وتداعياتُها بالغة السلبية".
وفي حديث صحفي لفت البيسري إلى أنه "لا يمكن النظر إلى ملف النزوح السوري - بمعزل عن تَقَدُّمِه أو تَراجُعِه - إلا في إطاره العام، أي من ضمن الصورة الكبرى. فهو نتيجة للحرب التي وقعت في سوريا وأدت إلى نزوحٍ في اتجاه الأردن وتركيا ولبنان والعراق، وفي اتجاه أوروبا، وبأعداد أقلّ في دول عربية معيّنة، وثمة اهتمامٌ دولي بقضية النازحين التي ترتبط بثلاثة عوامل، بالدولة السورية وبالحال اللبنانية وبالإرادة الدولية، ولذا فإن الأمر يحتاج إلى توافق سياسي بين المرجعيات الثلاث من أجل التوصل إلى حلول في هذا الملف".
وحول طلب لبنان بالحصول على داتا النازحين من مفوضية اللاجئين، أوضح البيسري أن أي أمر مشروط في الحياة يكون صعباً، حتى ولو كانت المسألة ترتبطُ بهبةٍ. وكل أمرٍ مرهونٌ الحصول عليه بشروط معينة يثير لديك الحذر ويستدعي المزيدَ من التفكير في شأنه، ومن هنا فإن تزويدنا بالداتا لقاء شروط يخضع لمناقشةٍ وتفكيرٍ، ليس من الأمن العام إنما الأمر يتعلق بالحكومة صاحبة القرار السياسي، "ونحن جهازٌ تنفيذي بيدها".
وأشار البيسري في حديثه بشأن قضية النازحين السوريين إلى أن ثمة مفارقات كثيرة في ملف النزوح السوري، وتابع :"لا شك في أن بعض النازحين يعانون مشكلاتٍ سياسيةً أو أمنيةً في سوريا وعلينا التزاماً بالقانون الدولي وبالمعايير الإنسانية عدم إعادتهم إلى سوريا، لكن المشكلة تكمن في (النزوح الاقتصادي) الذي تختبئ خلفَه أعدادٌ كبيرة ممن يأتون إلى لبنان للعمل ما يؤثر على مجمل الحركة الاقتصادية والتجارية في البلاد، وهي منافسةٌ يدفع شعبُنا ثمنها باهظاً".
وأردف: "رغم المساعدات التي تأتي من المجتمع الدولي على خلفية ملف النازحين، فإننا نتحمّل أعباء مُكْلِفة في المقابل، خصوصاً إبان سياسة الدعم التي كانت معتمَدة لسلع وخدماتٍ أساسية كالخبز والكهرباء والأدوية والمحروقات والمواد الغذائية، فالنازحون كانوا جزءاً من الذين يستفيدون من دعْمٍ مدفوع من الدولة ما يجعل ما يتحمّله لبنان يوازي ما يحصل عليه من مساعداتٍ من المجتمع الدولي."
وبيّن أنه لا يمكن إغفال تأثير هذا الحجم من النازحين السوريين على الأمن، فنسبة الجريمة ارتفعت على نحو يُرْهِقُ القوى الأمنية ويستنزفها، إضافة إلى "أنه أصبحنا أمام جرائم غير معهودة في المجتمع اللبناني ولم تكن موجودةً إلا في ما نَدَرَ وصارت إشاعةً وهي ظواهر مُفْجِعة ناجمة عن ظروف لا يُحسد عليها النازحون الذين يعانون أوضاعاً مأسوية بعيداً عن بلادهم وبيوتهم".
من جهة أخرى، لفت البيسري إلى أن آفةُ المخدرات عالميةٌ وتضرب دول العالم قاطبة، وما من بلد على هذا الكوكب لا يعاني من تهريب المخدرات ومكافحتها تحتاج إلى تعاونِ دولي وعلى نطاق واسع، مشيراً إلى "أن الجهدَ الأساسي للقوى الأمنية ينصبّ اليوم على مكافحة المخدرات كأولويةٍ قصوى، لِما للأمر من تأثيرٍ مباشر على مجتمعنا، أهلنا، أولادنا، مدارسنا، عاداتنا وعلى علاقاتنا مع الدول العربية."
"ونحن بدايةً نعمل لإبعاد الأذية عن شعبنا، إذ يصحّ المثل القائل "الأقربون أوْلى بالمعروف"، وبالأهمية عيْنها نعمل على حماية سمعة البلد وإبعاد الخطر عن مجتمعاتِ أشقائنا وأصدقائنا الأقربين والأبعدين"
ورأى البيسري أن "سمعةُ بلادنا مبنيةٌ على ضبْط الأمور وعدم تحول لبنان منصةً لإيذاء الآخَرين أو ممراً للتهريب إلى بلاد أخرى. لقد قمنا أخيراً برفقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي بزيارةٍ لمطار رفيق الحريري الدولي للاطلاع على الـ"سكانير" وإجراءات التفتيش وتحسينها لإعطاء تطميناتٍ للدول العربية بأننا عيْنٌ ساهِرة. فمستوى التفتيش عالٍ جداً وكذلك مستوى الأمن".
وأعلن أنه "تمّ في اليوميْن الماضييْن الكشف على السكانير في نقطة المصنع على الحدود اللبنانية - السورية للتأكد من حُسْنِ سير العمل هناك بغية الطمأنة إلى أن الشاحنات التي تقصد الدولَ العربية آتيةً من لبنان خاضعة للتفتيش، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مرفأ بيروت، وكل هذه الإجراءات مردّها إلى أننا نولي مسألة مكافحة المخدرات أهميةً قصوى، فسمعة بلادنا على المحك ومجتمعنا على المحك، لذا لن ندّخر جهداً من أجل كبح جماح هذه الآفة التي تشكّل عدواً لا هوادة في مقاومته".
وعن العلاقة مع الكويت، شدّد البيسري على أن "التعاون الأمني مع الكويت لا يقتصر على مكافحة المخدرات بطبيعة الحال، وهو تَعاوُنٌ بكل معنى الكلمة وعلى غرار تنسيقنا مع جميع الدول، فلبنان كان معروفاً بأنه صلة الوصل بين الشرق والغرب، ومن الدول التي تحرص على أعلى مستويات التعاون مع الجميع بحُسن نية وانضباطية وروح المسؤولية، والكويت من الدول التي تحظى باحترامنا ومحبّتنا وتقديرنا"
وأكد أن هناك تَعاوُنٌ عال مع فريقها الأمني المولج بالتنسيق، وهم يعرفون أننا نولي اهتماماً فائقاً لتنسيقٍ مفتوحٍ خارج أي حساباتٍ سوى التقدير والمحبة والحرص وحفْظ العلاقة التاريخية المتجذّرة والمتجددة مع الإخوة الكويتيين، ونحن ندرك عمقَ محبة الكويتيين للبنان وتوْقهم للمجيء إليه وإلى بيوتهم وأملاكهم. فالمحبة بين الكويت ولبنان تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل.
وفي سياق آخر، أكّد البيسري رداً على سؤال عن أزمة جوازات السفر اللبنانية أن "لا أزمةَ جوازات سفر والباسبورات متوافرة وبَذَلْنا جهداً كبيراً من أجل تأمينها، ولكن هناك أزمة ثقة بالبلد هي التي تقف وراء اندفاع المواطنين وتَهافُتِهم للحصول على جواز السفر لاعتقادهم أنه عامِلٌ مُطَمْئِنٌ لهم. وكانت لدينا رؤيةٌ قاربْنا من خلالها موضوع الباسبورات وقامت على الحاجة لطباعة ما بين 800 إلى 1000 جواز سفر يومياً، والآن ارتفع العدد إلى ثلاثة آلاف في اليوم، والمواطنون ما زالوا يتهافتون طلباً للحصول على الـ "باسبور".
وأوضح أنه "يأتي هذا التهافت رغم محاولات عدة لوضع أولوياتٍ تأخذ في الاعتبار الضرورات الأكثر إلحاحاً، مثل التعليم والاستشفاء وحاملي الإقامة في الخارج والتجارة وغيرها، حتى أننا أَوْقَفْنا العمل بالمنصة الإلكترونية لمزيدٍ من إراحة الأجواء والطمأنة مع تأكيد أن هناك كميات كافية ولا نقصَ في جوازات السفر، ولكن التهافتَ استمر، وهنا أكرر أن لا أزمة جوازات بل أزمة تَهافُت. والباسبورات متوافرة لدينا ونعطيها ولم ننقطع يوماً عن ذلك".
ولفت إلى أن "ما وعدْنا به ننفذه من دون أي مشكلات، علماً أننا باشرنا اتصالاتٍ مع دول شقيقة وصديقة لمزيد من التمويل بما يضمن تأمين الجوازات من دون أي عوائق للسنوات المقبلة، ويمكن القول إن المهمة نجحتْ وسنحصل على التمويل، مع الإشارة إلى أن لا مشكلة إطلاقاً بالنسبة إلى توفير الجوازات للفترة المتبقية من السنة الحالية والسنة المقبلة حيث انطلقْنا من مليون باسبور لمنْحها للراغبين".
وأضاف :"معلوم أن جواز السفر البيومتري اللبناني هو من الأكثر مراعاة لمعايير الأمان، ومنذ اعتماده لم يتم تزوير ولو باسبور واحد. ويمكن القول إنه الوحيد الذي لم ينجح أحد في تزويره".
وتوقع البيسري أن يكون الموسم السياحي شبيهاً بما كان عليه صيف 2019 الذي سَجَّلَ أرقاماً قياسية. وتشير حركةُ المطار إلى دخولِ وخروجِ نحو 35 ألف شخص يومياً، وهناك نحو مئة طائرة وأكثر تهبط ونحو مئة طائرة وأكثر تقلع يومياً، أي كل يوم تسجّل حركةُ الطيران ما بين 200 و 210 طائرات، بين إقلاع وهبوط، أي في حدود 8 أو 9 طائرات كل ساعة، وهذا رقم غير مسبوق".